الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
الشيخ محمد المصيلحي الشافعي أحد العلماء أدرك الطبقة الأولى وأخذ عن شيوخ الوقت وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ أحمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي قايتباي والشيخ حسن المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم وأخذوه الى بيوت الأمراء في حاجاتهم وعرضوا به المتصدرين من الأشياخ في الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وتقدم الشيخ أحمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبًا في الحج فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من إغراء من حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى أنه تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام الإمام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه الشيخ أحمد العروسي وتركها له حسمًا للشر وخوفًا من ثوران الفتن والتزم له الإغضاء والمسامحة في غالب الأطوار ولم يظهر الالتفات لما يعانوه أصلًا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته حتى أنه لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة بل قرر فيها تلميذه العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه فيها وذلك من حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين. ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة لسان المتكلمين وأستاذ المحققين الفقيه النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري وبه تخرج في الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان حسن الإلقاء جيد الحافظة يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب الاستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية ومما شاهدته من استحضاره أنه وردت فتوى في مسألة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها وقسمتها جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا الفن وتعبوا فيها يومًا وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا دعنا نكتبها في سؤال على بياض ونرسلها للمتصدرين للإفتاء وننظر ماذا يقولون في الجواب وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول مدة لطيفة وحضر بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يومًا وليلة فقضوا عجبًا من جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه إلا أنه كان قليل الورع عن بعض سفاسف الأمور اتفق أنه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين بسببها مرارًا في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا الشيخ أحمد العروسي فنهاه الشيخ العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها وتنازعه الى أن مات وغير ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلّت وجاهته بين نظرائه توفي في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وغفر لنا وله. ومات الشيخ الفاضل الصالح المجذوب صاحب الأحوال محمد ابن أبي بكر بن محمد المغربي الطرابلسي الشهير بالأثرم ولد بقرية أنكوان من أعمال طرابلس في حدود سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده الى خدمة الولي الصالح الشهير سيدي أحمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادئ أمره وحفظ جملة من كلام الشيخ المشار إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما أخبرنا أنه توجه الى تونس برسم التجارة فاجتمع على رجل من الصالحين هناك ولازمه فلما قربت وفاته أوصى إليه بملبوس بدنه فلما توفي جمع الحاضرين وأراد بيعه فأشار إليه بعض أهل الشأن أن يضن به ولا يبيعه فتنافس فيه الشارون وتزايدوا فدفع الدراهم من عنده في ثمنه وأبقاه وكان المتوفى فيما قيل قطب وقته. فلبسه الوجد في الحال وظهرت له أمور هناك واشتهر أمره وأتى الى الإسكندرية فسكنها مدة ثم ورد مصر في أثناء سنة 1185 وحصلت له شهرة تامة ثم عاد الى الاسكندرية فقطنها مدة ثم عاد الى مصر وهو مع ذلك ينجر في الغنم وأثرى بسبب ذلك وتمول وكانت الأغنام تجلب من وادي برقة فيشارك عليها مشايخ عرب أولاد علي وغيرهم وربما ذبح بنفسه بالثغر فيفرق اللحم على الناس ويأخذ منهم ثمن ذلك وكان مشهورًا بإطعام الطعام والتوسع فيه في كل وقت وربما وردت عليه جماعة مستكثرة فيقريهم في الحال وتنقل له في ذلك أمور. ولما ورد مصر كان على هذا الشأن لابد للداخل عليه من تقديم مأكول بين يديه وهادته أكابر الأمراء والتجار بهدايا فاخرة سنية وكان يلبس أحسن الملابس وربما لبس الحرير المقصب يقطع منها ثيابًا واسعة الأكمام فيلبسها ويظهر في كل طور في ملبس آخر غير الذي لبسه أولًا وربما أحضر بين يديه آلات الشرب وانكبت عليه نساء البلد فتوجه إليه بمجموع ذلك نوع ملام إلا أن أهل الفضل كانوا يحترمونه ويقرون بفضله وينقلون عنه أخبارًا حسنة. وكان فيه فصاحة زائدة وحفظ لكلام القوم وذوق للفهم ومناسبات للمجلس وله أشراف على الخواطر فيتكلم عليها فيصادف الواقع ثم عاد الى الإسكندرية ومكث هناك الى أن ورد حسن باشا فقدم معه وصحبته طائفة من عسكر المغاربة ولما دخل مصر أقبلت عليه الأعيان وعلت كلمته وزادت وجاهته وأتته الهدايا وكانت شفاعته لا ترد عند الوزراء ولما كان آخر جمادى الأولى من هذه السنة توجه الى كرداسة لإيقاع صلح بين العرب وبين جماعة من القافلة المتوجهة الى طرابلس فمكث عندهم في العزائم والإكرامات مدة من الأيام ثم رجع وكان وقتًا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام. حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر. ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرًا وقد رآه أصحابه بعد موته في منامات عدة عدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله. ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وأنجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير. ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد بن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه الى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفى قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد أخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية وأحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة. وكان إنسانًا حسنًا كثير الحياء متجمعًا عن الناس مقبلًا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله. ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلًا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الأغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرًا الى سوق الكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة العلم واقتنى كتبًا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة الكتب بجامع شيخون العمري بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار من أدركنا من جنسه ولم يخلف بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين. ومات الأمير المبجل أحمد كتخدا المعروف بالمجنون أحد الأمراء المعروفين والقراصنة المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدعلي ثم انضوى الي عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة ونفي من نفي في إمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين الى بحري ثم الى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادًا بالحرم المدني ثم رجع الى الشام وأحضره محمد بك أبو الذهب الى مصر وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته فإنه كان يخلط الهزل بالجد يأتي بالمضحكات في خلال المقبضات فلذلك سمي بالمجنون وكان بلدترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها قصرًا وأنشأ بجانبه بستانًا عظيمًا زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من ثماره الى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن غيرها وكذلك أنشأ بستانًا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه قصرًا يذهب إليه في بعض الأحيان ولما حضر حسن باشا الى مصر ورأى هذا البستان أعجبه فأخذه لنفسه وأضافه الى أوقافه وبنى المترجم أيضًا داره التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارًا على الخليج المرخم أسكن فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون وأتباع وابراهيم بك أوده باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمه في المدد السابقة يقال له المقدم فوده له شأن وصولة بمصر وشهرة في القضايا والدعاوى ولم يزل طول المدد السابقة جاويشًا فلما كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان آغا كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة أمراء يجلسون بديوان الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته ورحلاته الى البلاد عندما تملك علي بك وخرج المترجم منفيًا وهاربًا من مصر مع من خرج وباشر الحروب بأسيوط وذهب الى الشام وغيرها لكن لم أتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر الى مصر في أيام أبي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج بنت الشيخ العناني وأقام بينهم بسوق الخشب خاملًا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة أغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر. سنة اثنتين ومائتين وألف استهل المحرم بيوم السبت فيه عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف آغا الخربتاوي. وتولى عثمان بك طبل الاسماعيلي على دجرجا. وفيها انفرد اسمعيل بك الكبير في إمارة مصر وصار بيده العقد والحل والإبرام والنقض. واستوزر محمد آغا البارودي وجعله كتخداه واستمر اسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر لقبض وفيه قبض اسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت محمد آغا البارودي وصادره في خمسين كيسًا. وفي خامسه طلب اسمعيل بك دراهم قرضة مبلغًا كبيرًا فوزعوا منها جانبًا على تجار البن والبهار وجانبًا على الذين يقرضون البن بالمرابحة للمضطرين وجانبًا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك. فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن والغورية ودكاكين الميدان. وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة وحضروا الى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه بينهم الى جهة رواق الشوام. فمنع عنه المجاورون وأدخلوه الى الرواق ودافعوا عنه الناس وقفلوا عليه باب الرواق. وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضًا الى اسمعيل بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة من اسمعيل بك مضمونها الأمان والعفو عن الطوائف المذكورة. وفيها أن هذا المطلوب إنما هو على سبيل القرض والسلفة من القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا: هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح الدكاكين يأخذونا واحدًا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء وبعض المجاورين يدفع الناس عنهم بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير اللائق الى أن وصل الى باب زويلة. فنزل بجامع المؤيد وأرسل الى اسمعيل بك يخبره بهذا الحال فحنق اسمعيل بك وظن أنها مفتعلة من الشيخ وأنه هو الذي أغراهم على هذه الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده إلا الخلاص منهم فقال: أنا أرسلت إليهم بالأمان ودعوهم ينفضوا وما أحد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى على ذلك يومًا فأرسلوا الى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر والموزع عليهم فلم يجدوا بدًا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال الى باقي الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين حرفة. وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد سفر حسن باشا برسالة الى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في أماكنهم ولم يتحركوا. وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا أيضًا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به. ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها اسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها إحدى وعشرين حانوتًا وقهوة وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من إنشاء سيده ابراهيم كتخدا ولما أتمها نقل إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل إليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لاسمعيل بك من المحاسن إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى. وفي اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال الى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك. وفي سابعه سافر محمد باشا والي جدة الى السويس. وفي يوم السبت ثالث عشره طلع اسمعيل بك والأمراء الى الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها كتخداه محمد آغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدًا وفي الحقيقة هي راجعة الى مخدومه يفرقها على من يشاء من أغراضه. فشرع أولًا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة ونصفًا ثم ادعى أن حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف أخرى وطلب المال الصيفي أيضًا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة وأخرج قوائم مزادهم الى الديوان واستخلصها من ملتزميها. وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية وأخبروا أن الأمراء القبالي حضروا الى أسيوط وأوائلهم تعدى منفلوط فهرب من كان هناك من الكشاف وغيرهم وحضروا الى مصر فلما تحققت هذه الأخبار طلع في صبحها اسمعيل بك الى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية أو المشايخ فتكلم اسمعيل بك وقال: يا أسيادنا يا مشايخ يا أمراء يا وجاقلية إن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من أماكنهم وزحفوا على البلاد. فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا: نعم فقال إن المخالفين إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال الى قتالهم يصرف المقاتلين من العسكر من خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه اسمعيل أفندي الخلوتي وقال: ونحن أي شيء تبقى عندنا حتى نصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئًا فقال له الباشا: هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذا الكلام والأولى أن تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد إن جعت جوعوا معي وإن شبعت اشبعوا معي ثم انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضًا للدولة والإخبار عن نقضهم وعرضًا لهم بالتحذير ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والأجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى اسمعيل بك بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف اسمعيل بك. وأرسلوا الى محمد باشا المسافر الى جدة بالرجوع من السويس الى مصر بأمر من الدولة. وفي ذلك اليوم أعني يوم الأحد رابع عشره حضر جاويش الحاج من العقبة. وفي يوم الأربع سابع عشره نبهوا على مماليك الأمراء القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدمًا عنده جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبًا في حاجة أرسلوا إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم وأما علي بك الدفتردار فإنه لم يسلم فيمن عنده وكان منقطعًا في الحريم لصداع برأسه ووجع في عينيه من مدة شهرين. وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم الى مصر وكانوا أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط فتضرر الناس من الازدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم تعب وزاروا المدينة الشريفة. وفيه نزل الآغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة على كل من كان مختفيًا من أتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أحد بعد ثلاثة أيام فإنه يستأهل الذي يجري عليه. وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته المحمل. وفيه شرع اسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك وعين لقبضها خازنداره وغيره. وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والأجناد وهم الذين كانوا في الترسيم. وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم الى ثغر الاسكندرية وحبسوهم بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين إليه فلم يزل به اسمعيل بك حتى سلم فيهم. وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب أيضًا وبعضهم أنزلوه عريانًا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين على الأبواب وحصل منهم الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منهم دراهم ولو كان بنفسه. وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الآغا وأمامه الوالي وأوده باشة البوابة وأمامهم المناداة على جميع الألضاشات المنتسبين الى الوجاقات بأنهم يأخذوا لهم أوراقًا من أبوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له مزيد الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا. وفيه ركب اسمعيل بك ونزل الى بولاق ليتفرج على شركفلك الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بإن ركبه على عجل يجروه وزاد في إتقانه وسبك جللًا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضًا في عمل شركفلكين اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره. وفي يوم الاثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف اسمعيل بك وعلى يدهما جوابان: أحدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم الثلاثاء وقرأوا الجوابات. وملخصها: إنكم نسبتونا لنقض العهد والحال أن النقض حصل منكم بتسفير إخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا الى الروم وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا الى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والاعتذار وأرسلوها واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأربعاء وفي ثانيه ركب الآغا وشق الأسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الألضاشات ودخل سوق خان الخليلي ونبه على أفرادهم وقال لهم: في غد أحضر في التبديل وكل من وجدته من غير ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه. وفيه عزل أحمد أفندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة لمرضه وتقلد أحمد أفندي المعروف بأبي كلية قلفة الأنبار روزنامجي عوضًا عنه. وفي سادسه أرسلوا بجوابات الرسالة الشيخ أحمد بن يونس وكتبوا لهم أيضًا سمهود وبرديس زيادة على ما بأيديهم من البلاد والحال أن الجميع بأيديهم. وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا واسمعيل بك الى بيت الشيخ البكري باستدعاء المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا الى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له إنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم بالمنع من ركوب الحمير فسعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها على الشوام سبعة عشر ألفًا وباقيها على الكتبة. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا فرمانًا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارًا وكذلك التنبيه على جميع الوجاقلية باتباع أبوابهم وحضور وفي ثالثه أنفق اسمعيل بك على الأمراء الصناجق وأرسل لهم الترحيلة فأرسل الى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ محمدًا كتخدا البارودي وركب مغضبًا وخرج الى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها اسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع اسمعيل بك في تشديده على الرعية والألضاشات. وفي يوم الخميس ثامنه سافر إمام الباشا وعلي كاشف من طرف اسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها إما الرجوع الى أماكنهم على موجب الاتفاق والصلح بشرط أن تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن أيضًا تنقض الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بأن ابراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر الى المنية عند قسيمه مراد بك. وأن مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على أتباعه وأتباع الأمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في أمر التجريدة وحصل التواني والإهمال والترك وخرجت الخيول الى المرعى. وفي يوم الجمعة سادس عشره نزل عابدي باشا الى بولاق وركب إليه اسمعيل بك وبقية الأمراء وأمامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات وسيروا أمامه الثلاث غلايين الى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع الى القلعة. وفي يوم الثلاثاء عزل أحمد أفندي أبو كلبة من الروزنامة وتقلدها عثمان أفندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد أفندي ما دفعه من الرشوة. وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر إمام الباشا وعلي كاشف وأخبرا أن ابراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وأن جماعة من صناجقهم وأمرائهم وصلوا الى بني سويف وبحريها. وأنهم قالوا في الجواب إننا تركنا لهم الجهة البحرية وأخذنا الجهة القبلية فإن قاتلونا عليها قاتلناهم وإن انكفوا عنا فلسنا واصلين إليهم ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك. فيرسلوا لنا بعض المشايخ والاختيارية نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانًا اجتمع به الجميع وتحالفوا واتفقوا على إرسال جواب صحبة قاصد من طرف الباشا مضمونه: إنهم يرسلون من جهتهم أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا به. وفي يوم الاثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشا خطابًا الى الباشا واسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك واسمعيل كتخدا والشيخ البكري وأخبر بوصول عسكر أرنؤد الى ثغر الاسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية الى الأمراء. وفي يوم الخميس طلع الأمراء الى الديوان وتكلموا من جهة النفقة فقال قاسم بك: أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له اسمعيل بك: فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل واحد مائة ألف فلازم أننا نرسل الى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه علي بك وقال: أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والأمراء والأجناد وأنت في جملتهم وما صادرت أحدًا في نصف فضة فاغتاظ اسمعيل بك وقال: اعمل كبير البلد وافعل مثل ما فعلت وأنا أعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه بمعرفتك وقام من المجلس منتورًا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك ساعة زمانية وتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا. واستهل شهر جمادى الأولى بيوم السبت فيه حضر ططري وبيده مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة القبليين إن كانوا مقيمين بالأماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وإن كانوا زحفوا وتعدو ونقضوا فاخرجوا إليهم وقاتلوهم وإن احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين والأنبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ. وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المنفصل من ولاية مصر. وفي
|